السباق التكنولوجي: طموحات خليجية تتحدى إسرائيل بينما تكافح دول أخرى للبقاء

في قلب شرق أوسط متغير، تدور رحى سباق تكنولوجي صامت لكنه محتدم. على أحد المسارات، تنطلق دول الخليج بسرعة فائقة، مدفوعة باستثمارات بمليارات الدولارات ورؤى استراتيجية تنافس بها إسرائيل على لقب “مركز الابتكار الإقليمي”. وعلى مسار آخر، تسير دول طموحة بخطى أبطأ، محملة بإمكانيات كبيرة وتحديات أعظم. أما على الهامش، فتقف دول أنهكتها الصراعات، حيث أصبح الحديث عن التفوق التكنولوجي ضرباً من الرفاهية.


قادة السباق وطموح المنافسة


لم تعد إسرائيل، أو “أمة الشركات الناشئة”، اللاعب الوحيد في ساحة التكنولوجيا الإقليمية. فقد برزت الإمارات العربية المتحدة كقوة تكنولوجية هائلة، محولةً ثروتها النفطية إلى استثمارات جريئة في الذكاء الاصطناعي والمدن الذكية واقتصاد الفضاء. ورغم أن العلاقة مع إسرائيل تحولت إلى شراكة استثمارية بعد اتفاقيات أبراهيم، إلا أن المنافسة الاستراتيجية على جذب العقول والشركات العالمية لا تزال على أشدها.
إلى جانبها، تقتحم المملكة العربية السعودية المشهد بقوة عبر رؤية 2030، التي تضع التحول الرقمي في صميمها. فمن خلال مشاريع عملاقة مثل مدينة “نيوم” المستقبلية، وسوقها الذي أصبح الأكبر في المنطقة لرأس المال المخاطر، تسعى المملكة لبناء اقتصاد رقمي ضخم ومستقل.
وفي شمال المنطقة، بنت تركيا نموذجاً مختلفاً يعتمد على قاعدتها الصناعية الصلبة. فبينما تنافس بقوة في سوق الطائرات بدون طيار عالمياً، يزدهر فيها قطاع الألعاب الإلكترونية وتطوير البرمجيات، مما يجعلها منافساً صناعياً لا يستهان به. وإلى الشرق، رسخت ماليزيا مكانتها كمركز حيوي في صناعة أشباه الموصلات والإلكترونيات، بينما تستثمر قطر ببنية تحتية رقمية فائقة وتدعم الشركات الناشئة لتصبح مركزاً إقليمياً في التكنولوجيا المالية والرياضية.


دول طامحة في مواجهة التحديات


خارج دائرة الضوء الخليجية، تسعى دول أخرى للحاق بالركب. مصر، بسوقها الاستهلاكي الضخم وقاعدتها الشبابية الواسعة، تخطو خطوات واعدة في تجميع الإلكترونيات وتصدير الخدمات الرقمية، لكنها ما زالت تكافح لتحويل أبحاثها العلمية العريقة إلى منتجات صناعية مبتكرة.
أما تونس، فتُعتبر “جوهرة إفريقيا الخفية” بفضل وفرة خريجي الهندسة والعلوم، مما أوجد فيها بيئة خصبة للشركات الناشئة، خاصة في تطوير البرمجيات. وفي وضع مشابه، تحاول الجزائر دعم منظومتها التكنولوجية الوليدة بتشريعات جديدة، لكن التحديات البيروقراطية تبطئ من وتيرة نموها.
وتقدم إيران حالة فريدة من نوعها؛ فعلى الرغم من عقود من العقوبات، طورت قدرات تكنولوجية لافتة مدفوعة بالحاجة إلى الاعتماد على الذات. فبينما تتفوق في مجالات حساسة كالتكنولوجيا العسكرية والنانو، تظل قدرتها على المنافسة التجارية العالمية محدودة بسبب عزلتها الاقتصادية.


دول على هامش السباق


بعيداً عن هذه المنافسة، تقف دول مثل العراق وسوريا وليبيا واليمن، التي كانت يوماً ما منارات علمية في المنطقة. لقد أدت سنوات الصراع إلى تدمير بنيتها التحتية وهجرة عقولها، ليصبح همها الأكبر هو إعادة بناء شبكات الاتصالات والكهرباء وتوفير الخدمات الأساسية. إن الحديث عن سباق تكنولوجي في هذه الدول هو ترف لا تملكه، فالجهود تتركز على استخدام أبسط أشكال التكنولوجيا لدعم التعليم والصحة والبقاء على قيد الحياة. ورغم ظهور مبادرات فردية resilient، إلا أن الطريق لا يزال طويلاً جداً قبل أن تتمكن هذه الدول من العودة إلى حلبة المنافسة.
وهكذا، يرسم المشهد التكنولوجي في العالم العربي والإسلامي صورة من التباين الشديد؛ بين طموح يلامس عنان السماء في الخليج، وكفاح من أجل النمو في شمال إفريقيا، وصراع مرير من أجل البقاء في مناطق النزاعات.


اكتشاف المزيد من JANOOB

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Related Post

شاركنا رأيك! نحن نحب سماع أفكارك وملاحظاتك. اترك ردك هنا!

اكتشاف المزيد من JANOOB

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading