تقرير: الصحفي عبد المطلب الاعسم | bbrahat
على بعد 11 كيلومترًا شمال غرب مدينة أريحا، وفي قلب منطقة مصنفة C (אזור C) الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، تقبع قرية فلسطينية صغيرة يقطنها نحو خمسين عائلة بدوية منذ عام 1985، بعدما منحت لهم كتعويض بديل عن أراضٍ صادرها الجيش الإسرائيلي بحجة أنها مناطق عسكرية (שטח צבאי).
لكن تلك الأرض التي ظنّوا أنها ستكون مأواهم الأخير، تحولت إلى ساحة حرب يومية بين رعاة أغنام يبحثون عن الكفاف، ومستوطِنين (מתנחלים) يسعون لطردهم منها بكافة الوسائل.
منذ البداية… حياة صعبة دون مقومات إنسانية
يعيش أهالي القرية في مساكن من ألواح الصفيح (פחונים)، محرومين من حق البناء أو تطوير بنية تحتية تقيهم حر الصيف اللاهب وبرد الشتاء القارس في الأغوار. مصدر رزقهم الوحيد هو رعي الأغنام، لكن حتى هذا الحق البسيط بات مهددًا بالزوال.
بؤرة رعوية غير شرعية… بداية المأساة
يروي طالب الطب في جامعة ابو ديس، سليمان المليحات خاص لوكالة أخبار رهط والنقب (bbrahat):
“في مطلع أكتوبر 2021، أقيمت بؤرة استيطانية رعوية (מאחז חקלאי) قرب القرية بشكل غير قانوني. منذ اللحظة الأولى بدأ المستوطنون بمنع الرعاة من الوصول إلى أراضيهم ومراعيهم.”
في 21 يونيو 2022 وقع أول تصادم مباشر حين هاجم المستوطنون مسنًا من ذوي الاحتياجات الخاصة، وأسفر الهجوم عن إصابة أربعة أشخاص واعتقال سبعة آخرين.
يقول المليحات: “منذ ذلك اليوم والهجمات لم تتوقف. الضرب، الاعتقالات، وملاحقة الرعاة أصبحت روتينًا يوميًا. يريدون تهجيرنا بكل بساطة.”
حرب يومية منذ أكتوبر 2023
مع بداية الحرب الأخيرة في 7 أكتوبر 2023، ازدادت الهجمات بشكل كبير.
“المستوطنون باتوا يمنعون السكان كليًا من رعي الأغنام. في كل مرة يخرجون فيها يهاجمونهم بالعصي (מקלות), بالحديد (ברזל), بالحجارة (אבנים), وحتى بالأسلحة أحيانًا. الهدف واضح: تركيعنا.”
يؤكد المليحات بأسى.
الهجوم على التعليم… المدرسة تحت النار
في 17 سبتمبر 2024 بلغت الاعتداءات ذروتها.
“هاجم المستوطنون المدرسة الوحيدة في القرية. اقتحموا الصفوف، ضربوا الطلاب والمعلمين. أصيب 8 طلاب و5 من الكادر التدريسي بجروح متفاوتة، واعتقلوا مدير المدرسة أمام أعين طلابه.”
حرق الجامع والجرارات… انتهاك مقدسات ومصادر رزق
في 2 فبراير 2025، اقتحم المستوطنون القرية ليلًا وأقدموا على حرق جامع القرية (מסגד) إضافة إلى حرق عدة جرارات زراعية (טרקטורים) يعتمد عليها الأهالي لرعي الأغنام وجلب المياه.
“حرقوا الجامع دون خوف أو وازع، في رسالة واضحة أنهم يريدون إذلالنا دينيًا ومعيشيًا.”
نكبة جديدة في يوليو 2025
ويوضح المليحات أن الكارثة الكبرى وقعت يوم 1 يوليو 2025، حين هاجم عشرات المستوطنين منازل القرية، سيطروا على أحد البيوت وحولوه إلى بؤرة استيطانية (מאחז חדש) وطردوا عائلته منه، ثم هاجموا باقي البيوت، مما اضطر السكان للفرار بأطفالهم ليلًا إلى مناطق أبعد وأقل أمنًا.
“ما يحدث هنا تهجير قسري (טרנספר) ممنهج ونكبة صامتة دون أي حماية دولية. يريدون اقتلاعنا من أرضنا بكل بساطة… ونحن لا نملك إلا صمودنا وكلمة الحق.”
بين الحياة في ألواح الصفيح، الخوف اليومي من الهجمات، وفقدان مصادر الرزق والتعليم والعبادة، تعيش هذه القرية مأساة إنسانية كاملة الأركان.
هكذا يستمر المشهد:
• دولة تصنف الأرض عسكرية
• مستوطنون يقيمون بؤرًا رعوية غير شرعية
• إدارة مدنية (מנהל אזרחי) تنفذ أوامر الهدم
• وأطفال يرحلون تحت جنح الظلام بحثًا عن مكان أكثر أمنًا…
بينما العالم يكتفي بالصمت.











أنا
اكتشاف المزيد من JANOOB
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
